السبت، 19 ديسمبر 2015

يوميات أو تكاد

اللحظة 0 الثالثة:

من أمتع اللحظات تلك التي تعرج فيها على دكان البقالة فتشتري حاجياتك اللازمة وتغامر فتصل إلى حد شراء ياغورت من النوع الجيد بنكهة تعشقها. أنا أعشق نكهة الفراولة. إنها لحظة تاريخية. طبعا بالنسبة لمن يقضي الكثير من الوقت الفارغ يحلم بأن له ثلاجة ضخمة وفيها جناح مخصص للياغورت بجميع النكهات اللذيذة والمثيرة، وأجنحة أخرى لأصناف اللحوم وتفاصيلها الأسطورية.. الفواكه الاستوائية والمريخية والتي تأتي من كواكب في مجرات قاصية.. تمسك بالكيس البلاستيكي بقوة غير مسبوقة وتبتسم ابتسامة نصر ومتعة ولو أنك تكون قد أتيت على ما في جيبك من دراهم عن آخره. وتشرع طيلة الطريق تتخيل أنك تهرول صوب البيت. تلجه بسرعة كبيرة حتى أنك تنسى إحكام إقفاله فتعود لتغلقه بسرعة أقصى، ثم تضع الكيس في المطبخ، تخرج الياغورت بعناية فائقة وعيناك تتلألآن بشغف وجشع. تفتش عن ملعقة صغيرة بالتحديد. فأنت لا تريد ابتلاعه كدواء مقيت. بل تريد أن تعيش قصة لا تكون قصيرة جدا. تجلس أمام التلفاز لمزيد من التأثيث المناسب لشهوة لا تتكرر كثيرا. مع كل ملعقة تغلق عينيك وترحل بعيدا إلى المصنع تقبل العمال وهم يملؤون أكواب الياغورت وتتخيل أنهم يلقون بك في الحوض الكبير حيث يقبع الياغورت كبحر داخلي هادئ رائع.. تصل إلى البيت. تمسك الياغورت بقوة وتضع الملعقة كسيجارة في فمك ثم تقعد أمام التلفاز تماما كما تخيلت. تفتحه. تقطب. يحدث ما لم يكن في الحسبان. يبدو أن الياغورت غير صالح للأكل. بقع سوداء ورائحة غير طيبة. تقلب الغطاء، التاريخ المدون لم يمض بعد. لا تصدق الأمر. تقنع نفسك أنه كان مفتوحا من صوب ما. تفكر في إعادته. تتردد كثيرا خاصة وأنك لم تراقبه تو شرائه. تفكر في إزالة البقع ربما يكون ما أسفلها جيدا ولذيذا. بلا فائدة. تغتاض كنمر سرقت منه طريدة. ثم تستسلم ولكنك تقسم: عندما تجد عملا، بأنك ستقتني بأول أجرة ستقبضها شاحنة ياغورت أو نصف شاحنة على الأقل.
 
 
 
 

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

يوميات أو تكاد:

 
 
اللحظة 0 الثانية:
 
 
أن تنسى إضافة الملح إلى الخبز وأنت تحضره ولا تنتبه إلا عندما تتذوقه ساخنا لتستمتع به، ليست بالمشكلة الكبيرة خاصة عندما يكون الطعام مالحا كفاية لغلق ملف القضية. بل قد يكون حادث كهذا فرصة متكاملة لكسر روتين الحياة، قد تضحك أو تبتسم وأنت تضع كفك على شفتيك: ويلي نسيت الملحة.. هذا أمر لا يتكرر كثيرا وقد يكون دافعا لك لتتذكر كم مرة وجدته لذيذا دون أن تجده فريدا.. ولكن عندما يحدث أن تجد نفسك في لحظة غاشمة ككومة من الخيوط السوداء التائهة في دهليز بلا بداية أو نهاية، شيء لن يتيح لك أن تلاحظ ولا حادثا أكبر قليلا من مشكلة الملح.. قد تحتاج إلى غزو بري مفاجئ لمدينتك، ربما تستيقظ من إحساسك. وفي الانتظار، تكون كإسفنجة متسخة بدأت تتحلل، وقلبك بنبض وهن كذيل عضاءة فقدته إثر نزال غير متكافئ وعجوز أخرق. لحظة قد لا يسعفك في نسيانها أو تجاوزها فرح عادي. قد تحتاج إلى خبر توحيد فلسطين وطرد الصهاينة إلى مزبلة نووية في بلد عربي لم يرق له الأمر. تحاول إقناع نفسك بأنها لحظة تالفة يجب إصلاحها أو لحظة ستتجاوزها دون المعجزات الخارقة. ولكنك لا تستطيع إلا أن تعيشها بحضور أليم وقاتل.. إنها لحظة أو لحظات تحرمك من متعة الخبز المالح ومن ضحكة الخبز المسوس معا..
 


 
 
 

الاثنين، 14 ديسمبر 2015

يوميات أو تكاد

 
 
يوميات أو تكاد:
 
اللحظة 0 الأولى:
 
 
 
أستيقظ أو أخالني استيقظت، وفي كل مرة أبتسم عندما أجدني قد فتحت عيني على سقف الغرفة الذي لا أدري لم أشك بأنه يريد أن ينهار علي. أستيقظ من جديد وألعن الشيطان، أتثاءب طويلا حتى يكاد فكي يجاوز مفصله لأقضي اليوم كهوة سحيقة على قدمين في باحة مستعجلات مستشفى بلا أطباء، قد يكونون بدورهم في بيوتهم يتثاءبون برفق لأنهم درسوا عن عواقب التثاؤب العشوائي.. أو ينتظرون وزراتهم أن تجف لأن زوجاتهم أو خادماتهم نسينها تحت المطر الذي تهاطل منذ أسبوع مضى. أغادر المنزل بعد فطور أتناوله وأنا أخمن كم ساعة ستكفيني طاقته حتى أتم ساعات العمل في كامل حيويتي. لا أستغرب عودة الصباح إلى الحياة بعد سواد مطبق. لقد تعودت على الأمر. وحتى عندما أوزع تحية الصباح هنا وهناك أكاد لا أشعر بقيمة ما أفعله. أنا فقط أمارس ما يبقيني على صلة بأشباهي المختلفين الذين يعيشون على نفس التراب مثلي. وحتى في اللحظات التي تخرقني فيها لحظة شاردة تخزني لألاحظ ما يغيب عن بلادتي، أكدس بسرعة السر على هاتف أو ورقة تائهة في جيبي ثم أعود إلى المشهد البئيس، ألوح لسيارة الأجرة، آخذ مكاني بجانب راكب متجهم يتمنى لو أن الأيام كلها نهايات أسبوع. نخرق الطريق دون أن ننبس بكلام كثير، كأننا نتأمل الحياة. بينما نركز أنظارنا في الفراغ ننتظر أن نصل أو يحدث شيء مهيب كحادثة خطيرة أو نهاية العالم..
 
 
 
 

الأحد، 13 ديسمبر 2015

يوميات أو تكاد..

اللحظة 0:

هل هي يوميات فعلا؟ أم أنها ريح أو صرخة أو عربة قادمة من زقاق مسدود تريد أن تفاجئ المنظر المتحرك الثابت؟ ربما هي تكاد، هي حورية لا تعرف ما إذا كانت في المكان المناسب، تحس بأنها بخير ولكنها تشتاق إلى شيء مرة يبدو لها ضرورة وأحيانا مجرد وهم يرغب في إغوائها لتضيع فرصتها في حياة ممكنة وحيدة. إنها تجوال في مدينة جوانية تتزود بالطاقة من مكان خارجي بسيط يفرض نفسه بقوة كما لو كان معقدا. لهذا يبدو التماهي مستقبلها ومستقبل بحث منتهاه أو غايته ألا ينتهي، تماما كعروس تفتش عن فارس الأحلام غير المزور دون أن تسقط عليه سوى حقها في مماثل بنسبة مقنعة..





* الرسم لزوجتي كوثر بوداود. 2012