تعشق البحر... وقد تكون تحبه فقط، ربما ليس تماما، فهي لا تجد أمامها إلا هذا البحر الكبير لتتحدث إليه وتبوح له بهمومها، أسرارها وآلامها... دون أن تبدو له أشياء صغيرة أو تافهة فيفتح أذنيه وهو لا يستمع كما تفعل بعض صديقاتها اللئيمات!...
لهذا تحبه... تعشقه بإزاحة ما! بطريقة ما كالمألوف... لا خيار...
سئمت من الشعارات الفارغة: المرأة تصنع حياتها بلا رجل، المرأة لا تحتاج إلى زواج لتحقق ذاتها... لم يعد هناك وقت للنظريات ولا للتأكد منها! لقد تجاوزت الأربعين!
لتكتشف أن المرأة بلا رجل هي كهذا البحر بلا مياه... قعر مبهم أصم...
العمل يصبح روتينا وهو ينجح دون أن يضمن لها شيئا... والانشغالات عامة لا تمنحها السند، إنها تندثر باستمرار... فتتعب التحديات، وتحن الطبيعة مع الأيام إلى الرفيق! إنه ليس كالأشياء...!
الرجل في الحد الأدنى حائط المرأة وسوق رواج أحاسيسها الوافرة وحياتها كأنثى...!
...
ـ ابنتي العزيزة... ستذهبين معي إلى خالتك أم الخير؟!
ـ أمي أتوسل إليك أن تكفي عن هذا الجنون! هذه خرافات وشرك بالله... تحدّث يأسها وشيء من الإيمان الجبري!
... مع أنها كانت قد رافقتها في إحدى المرات! من شدة الضيق وفرط اللاأمل، مستمسكة ـ بعمى كانت تدركه إلى حد ما ـ بقشة أمنيات هلامية...!
تمضي الأم لوحدها إلى بائعة الأوهام تتمتم: أنت لا تعرفين شيئا... لا تعلمين ما يمكن أن يفعله الأعداء... لا تعي أنها هي من تذهب إلى أم الخير!! لتلعب بجهلها وسذاجتها فتبقيها على حافة انتظار خادع لابنتها...
مع أن هاجسها ليس تفهمها لابنتها ونفسيتها تماما... إنما هي قضية الأربعين وكلام الناس والأهل ما يفتح المجال لتناسل الأسباب/الإشاعات المخيفة...
...
في يوم آخر، وفي طريق عودتها إلى البيت، بخطوات منهكة، صمت رهيب، ووحدة حزينة مرسومة على محياها وسط هذا الفضاء الذي يعج بالناس والحركة... عرّجت على البحر من جديد، وقبل أن تقترب، فتح أذنيه، فتّح ملكات الاستماع كلها...! أفضت إليه مرة أخرى بأسرارها الذي هو سرها، بأمنياتها التي هي أمنيتها، بهمومها الذي هو همها...
ولما أحست بقشعريرة راحة دقيقة ومحدودة كالعادة... وهمت مغادرة مواصلة سبيلها المعهود إلى البيت، استوقفها فجأة صوت خافت يناديها... استدارت، فإذا هو آت من صوب البحر... بدأت كلمات هذا الهاتف تتوضح برهبة وصفاء ـ وهي واجمة ـ ترن بقوة ولطف:
الرجل سند، حائط وحبيب... لكنه قد يتصدع فينهار على جثتك الضئيلة!! فاستمتعي بالانتظار الجميل ولا تتعجّلي...!
توفيق بوشري
tbouchari@hotmail.com
لهذا تحبه... تعشقه بإزاحة ما! بطريقة ما كالمألوف... لا خيار...
سئمت من الشعارات الفارغة: المرأة تصنع حياتها بلا رجل، المرأة لا تحتاج إلى زواج لتحقق ذاتها... لم يعد هناك وقت للنظريات ولا للتأكد منها! لقد تجاوزت الأربعين!
لتكتشف أن المرأة بلا رجل هي كهذا البحر بلا مياه... قعر مبهم أصم...
العمل يصبح روتينا وهو ينجح دون أن يضمن لها شيئا... والانشغالات عامة لا تمنحها السند، إنها تندثر باستمرار... فتتعب التحديات، وتحن الطبيعة مع الأيام إلى الرفيق! إنه ليس كالأشياء...!
الرجل في الحد الأدنى حائط المرأة وسوق رواج أحاسيسها الوافرة وحياتها كأنثى...!
...
ـ ابنتي العزيزة... ستذهبين معي إلى خالتك أم الخير؟!
ـ أمي أتوسل إليك أن تكفي عن هذا الجنون! هذه خرافات وشرك بالله... تحدّث يأسها وشيء من الإيمان الجبري!
... مع أنها كانت قد رافقتها في إحدى المرات! من شدة الضيق وفرط اللاأمل، مستمسكة ـ بعمى كانت تدركه إلى حد ما ـ بقشة أمنيات هلامية...!
تمضي الأم لوحدها إلى بائعة الأوهام تتمتم: أنت لا تعرفين شيئا... لا تعلمين ما يمكن أن يفعله الأعداء... لا تعي أنها هي من تذهب إلى أم الخير!! لتلعب بجهلها وسذاجتها فتبقيها على حافة انتظار خادع لابنتها...
مع أن هاجسها ليس تفهمها لابنتها ونفسيتها تماما... إنما هي قضية الأربعين وكلام الناس والأهل ما يفتح المجال لتناسل الأسباب/الإشاعات المخيفة...
...
في يوم آخر، وفي طريق عودتها إلى البيت، بخطوات منهكة، صمت رهيب، ووحدة حزينة مرسومة على محياها وسط هذا الفضاء الذي يعج بالناس والحركة... عرّجت على البحر من جديد، وقبل أن تقترب، فتح أذنيه، فتّح ملكات الاستماع كلها...! أفضت إليه مرة أخرى بأسرارها الذي هو سرها، بأمنياتها التي هي أمنيتها، بهمومها الذي هو همها...
ولما أحست بقشعريرة راحة دقيقة ومحدودة كالعادة... وهمت مغادرة مواصلة سبيلها المعهود إلى البيت، استوقفها فجأة صوت خافت يناديها... استدارت، فإذا هو آت من صوب البحر... بدأت كلمات هذا الهاتف تتوضح برهبة وصفاء ـ وهي واجمة ـ ترن بقوة ولطف:
الرجل سند، حائط وحبيب... لكنه قد يتصدع فينهار على جثتك الضئيلة!! فاستمتعي بالانتظار الجميل ولا تتعجّلي...!
توفيق بوشري
tbouchari@hotmail.com