الاثنين، 24 سبتمبر 2012

...زمن التفاهة والأمل الحماري


زمن التفاهة و الأمل الحماري

ليس يسيرا إطلاق هكذا عنوان دون الإقرار بوجوب تحري الموضوعية الفعالة من أجل التأكيد و التحسيس بالقلق الحقيقي تجاه الحياة عامة و الواقع خاصة، بمعنى آخر لابد من قوة ما تستطيع إقناعنا على الأقل بالخلل بغض النظر عن مصداقية مبدأ الموضوعية أصلا!
و لكنه طبعا أي هذا العنوان *ديال الوقت* يسير إطلاقه و أدهى من ذلك عندما يتعلق الأمر بالإثارة المجانية، بالمراوغة و صنع الفرجة و المجد الفارغ الإعلاميين أو الصحفيين...
ما يعيد إلى الأذهان مقولة *هيغل*  بشأن النبلاء المستعدين للموت مقابل اعتراف الآخرين بهم مهما تكن قيمة هذا الاعتراف... تحقيق الذات *المهبولة* المقلوبة على رأسها من فرط إما اليأس أو *الكلخ* الحداثي... مما يليق أن يدرج كذلك ضمن منتجات عالم التفاهة...
لا أروم من خلال هذا العنوان إنجاز بحث أصيل في جينيالوجيا الثقافة و لا أركيولوجيا الحضارة و لكن أبغي رصدا عاما ملموسا لبعض مظاهر الثقافة الحالية  و تمظهراتها في مجتمعنا المغربي خاصة و العربي عامة و تقديم قراءة آنية لمراجعها، محنها و نتائجها بشكل مقتضب بسيط غير عميق التحليل و أقرب إلى عرض تركيبي إلى حد ما أتمنى أن ينجب خلاصة قد تساعدنا على الاستثمار الجيد لما في أيدينا قبل أن يصير ماهيتنا فيقضي على ما تبقى من هويتنا العامة كبشر و الخاصة كمجتمع له خصوصياته و بالتالي تفيدنا في إيجاد العلاجات اللازمة للحد من ظواهر التفاهة المتغلغلة بشكل سرطاني في جثتنا الهامدة و السير على هدي الالتزام بحدود الفعل الإنساني و جوهر الحرية...
إننا نلاحظ جميعا أن اللمعان العجيب الذي عاشته و تعيشه الحضارة الغربية و ناسها *الواعرين* يعلوه درن يكاد يكون كاسحا لما يتعلق الأمر بنظرة إجمالية إلى النتائج من انتحار للعقل بحبل من بديع صنعه ومن أفول للعقلانية بنسج من خلق أناملها المغرية...
و رغم الاعتراضات الكثيرة و المتنوعة الحجج و التدليلات، إلا أن الواقع يكشف وجها مريضا يشكو مفارقات ليس بالهين تجاوزها أو علاجها، من مفارقة القيم و إشكالات انقلاب العلم على أسئلة الغاية و المصير الإنساني... مفارقة هيمنة إرادة القوة على قوة الإرادة و تفشي إمبراطورية *الدولار* و *الأورو* في سوق المجتمع (بشكل غير عادي، إذ تم تجاوز هواجس الربح المادي البسيط إلى ثقافة البذخ الهجين و الاستهلاك الهوياتي المعقد الأخرق...) و هكذا يغيب التساؤل حول المسار و المصير ليحضر:
_ إلتون جون أمام الكاميرات رفقة زوجه! و هما يعلنان أمام الصحافة عن رغبتهما في تبني طفل من أوكرانيا، دون أن يعترض أحد من الجمهور و إن بالتساؤل : من منكما الأب و من منكما الأم!!
_ علماء باحثون مسعورون عاكفون على محاولات استنساخ *بنادم* طبق الأصل من إنسان يمثل مجرد عينة! *و إنسان هذا*!
_ مغني يترنح فوق الخشبة بتبان و التبان هو *السليب* أعزكم الله و الناس من حوله يتراقصون و *يتناقزون*...
و النماذج كثيرة... و قبل أن أطلعكم على غايتي من هذا كله لابد من الإشارة إلى أن مجتمعاتنا العربية و مجتمعنا المغربي خاصة يشاهد *يستهلك* للأسف و يضحك و لا يعي أن ضحكته مؤدى عنها من الغياب الصامت و كذا من الحضور الضعيف الظمآن المستعد لأهول من ذلك... استهانة و استهواء ونتاج عدم التأسيس و اعتقادا في حماية دينية هشة غير مواكبة وهوية مطاطية أكثر من اللزوم...
وأما غايتي فهي بيان نظرية التفاهة من خلال الواقع المذكور وما يستنتج منه، هذا إن كان هناك مرجع أو مبدأ يسمح بالتقييم الذي أعلنته!
مهما يكن فإن الفراغ الذي تعيشه الأمم الغربية فراغ لامعقول/معقول، ببساطة لأنه نتيجة حتمية لمقدمات معلومة إذا قمنا بتتبعها فهمنا الظواهر الثقافية المفـارقة، حتى أن شخصا غربيا يضاجع أمه لن يجد حرجا كبيرا في ذلك لأن في فعله مبدأ ضمنيا يعود إلى فكرة مقابلة إذا قمنا بتأصيلها فسنجد أوج تطورها ما قام به هذا الشخص! هذا يخبرنا أن إمكانات الهندسة الجزئية أي تعديل المسار بشكل تدخلي جزئي قد يمكن شمس الغرب من استعادة بعض لمعانها النسبي...
*الدور و الباقي* كما يقول إخواننا في مصر، على النائمين في العسل المنتظرين فرج الله وهم يغرقون بابتسامة بلاهة و غباء في بحور لا قبل لهم بها...


لا يحق لك الاستمتاع إلا بما صنعت يداك (كانط)

ماذا صنعنا!! ليكون من حقنا: أولا الانخراط في عالم غريب عنا جوهرا قريب منا قشورا و مظهرا، صنعنا تاريخ العجز و اللاإرادة ومع ذلك *ما علينا * فليس بالإمكان لا الرجوع إلى الوراء وهندسة التأسيس، و لا *تنقاز* العصور وصنع حضارتنا المفترضة و المتخيلة...
لن أكون عدميا فأقرر أننا غير موجودين تماما، بل موضوعيا بمعنى ما نحن هنا إما نتفرج ونواكب مظاهر السير إلى الأمام من حيث التحديث أو لست أدري! وإما نتحرك وفق ما يريدونه لنا أو ما نحن مكرهون على نهجه.
و الغريب أن بعض الجرائد في هذه الأيام تباهي لست أدري من بعناوين مفجعة في نظري: المغرب يتغير بسرعة مذهلة... إلى أين؟ الله وحده يعلـــم، اللهـــم إذا استثنينا إجاباتهم البليدة، من قبيل: تغيير اقتصادي هام!!
وهل نريد التغيير فعلا!؟ بقدر ما نريد توضيح الوضوح السائد! قنواتنا و لله الحمد *نايضة*و حتى هاجسها الاجتماعي و الثقافي مكتف بجانب الفرجة و التبجح بجسد إعلامي مسموم...
شباب يتهافتون يوما بعد يوم على *الطوانك* كأنها أجهزة استشعار في آذانهم و أنوفهم و حتى بطـونهم و أتحرج من النزول إلى ما أسفل من ذلك! و هي لا تعدو كونها انهيارا
لا يملك لا أساسا و لا إمكان تدعيم تبريري ممكن...
*وليدات الغرب* يملكون أجوبة تستمد في عمق تفاهتها مراجعا و أصولا من البدايات مما يجعلها بعد تحافظ و إن على القانون في أدنى مستوى.أما شبابنا المنتظر شفاعته في المستقبل فيخرج على أقرانه و غيرهم على خشبات المسارح و ما أدراك ما المسارح و كذا على شاشاتنا الرزينة لينطق بـ *التخربيق* دونما رقيب ولا حسيب: *هز يديك لفوق ..هز هز يديك لفوق..العز العز...*
(وكأن العز لا يوجد إلا قاب قوسين أو أدنى من الأيدي *المهزوزة*) معتقدا أنه يحسن صنعا دون أن يملك أدنى إجابة مقنعة تبرر لا الفعل و لا الاختيار و لا إمكانات و مزاعم مثاقفة...هذا و أستحيي من ذكر كارثة الكوارث: شباب مغاربة قد يضحون بما لا يخطر على بال و قد يموتون في سبيل *البارصا* و *الريال* و *تريكة* هذين الأخيرين تنخر عظام الوحدة الترابية للوطن...(و كأني بهم يتمثلون موضوعية الفصل بين العمل و الصداقة و قس على ذلك!) و الكوارث لدينا ألوان، فهاهي الأصالة الزاهية *التالفة* تزهو عندما يصيح مطرب شعبي : *كب كب ليا نسكر...وراني باغي نخسر...* (أكثر من هذه الخسارة الفادحة) أمام الملأ و أحيانا عبر الشاشة دونما أدنى إحساس بهجانة ما يقول، و لا أقصد هنا جانب الحشمة أو الاستحياء بل أسوء من ذلك جانب الهوية ومسار المجتمع و أصوله...
في النهاية لا يصح أن نستمتع بما لم نصنع...و التفاهة طبعا لا تصنع بل يصنعها عدم ركوب تحدي الصناعة.هم بلغوا التفاهة لاستنفاذ العقل ونحن بلغنا التفاهة لعجزنا عن التضحية و المطالبة بحقوقنا...بحرية حقيقية و كرامة مستحقة.

يجب كشف المستور أو المسكوت عنه!

لماذا لا يصح الكشف عن المستور إلا عندما يتعلق الأمر بما يراد فضحه أو ما نعتقد لعدم نضجنا أنه يجب إزاحة الصمت عنه، الإنصاف و المصالحة كطفرة *خرجت من الجنب* و الأمهات العازبات كموضوع مثير لفضول المبهورين بالضجة و شهوة المهووسين المكبوتين بالجنس الشاذ و الفتشية... قد لا نشك في النوايا الصادقة لهذه الإصلاحات و الحوارات و التعاقدات الجديدة، لكن يبقى أنـها لا تواكب مسارا طبيعيا من قبيل التساؤل التالي:
هل تعتبر فضائحنا و كبواتنا حقا مفتاح الانتقال إلى مجتمع حقيقي أو تعاقد حداثي جديد؟
لا أعتقد أن فلاشات من باب الحرية و التغيير و بعض ملامح المأسسة ستفي بغرض التحول اللهم مكسب التفاهة الذي نستحق إزاء هجانة مبدئه جائزة نوبل للنكوص la regression، و الاستلاب l’aliénation.
يا شباب المغرب، يا أيها الجيل الجديد، ليست العبرة بالمواضيع و لا النقاشات الكثيرة بل بالروية و طريقة التفكير و الفهم الجيد لما يجري حولنا.و اجتناب الضباب, كغمامة مقولات الأذواق المبتذلة، فإن الفن على سحره و إطلاقه ينبنــي على التزام إنساني ضمني لا يسمح *بالزديح* و *الرديح* و التنظير للـ:*الخوا الخاوي*.

أسباب التفاهة المباشرة و أساليب تحويلها إلى خير أسمى...

من أجل استجلاء بعض أسباب التفاهة و إن بشكل موجز لابد من الحديث عن تغيير و عن بناء في مجتمعنا المغربي هذا لاشك فيه، و لكن بكل أسف أنه أولا: ليس بناء جذريا و لا تغييرا مراعيا لواقع المجتمع المغربي كمنظومة لم تفتح أبوابها بعد لمفاهيم المؤسسات إلا بشكل محتشم يمكن أن نقول عنه أنه ظاهري تأثيثي...وثانيا: أنه بناء و تغيير لا يراعيان الخصوصية المغربية و لا الهوية الأصيلة لهذا الشعب لا من حيث الإرادة و لا من حيث واقع الأمر، مما يمنح التفاهة بعض الدعم و اللااستهجان و تصير على كونها لا تتجاوز المظاهر و السلوكات و بعض أنماط الحياة اليومية إلى متع *خاوية* لا يمكن الاستغناء عنها فيتأسس تبريرها بنفس آليات تبرير ما هو موضوعي فعلا, و بالتالي تنشأ هوية ممزوجة بمبادئنا أو بظلالها لتنتج مسخا مهينا يسمى المغرب الجديد...ومن قبيل الحظ و*الزهر* الغير مباشرين يتم صنع جيل يرتكز على التفاهة لصنع الحياة و القرار.
و أغرب ما في الأمر أن هذا الجيل يملك من الذكاء و نوع من حضور استيعاب سريع و بديهة قوية ما لا يملكه غيره من شباب الأمم الأخرى إلا أنه يظل شبه خام و متجها اتجاهات معروفة، في غياب التوجيه في البداية و انهيار منظومتنا التعليمية بمفهومها الواسع و عدم مواكبتها لحاجيات هذا الجيل و تطويعها لخدمة هويتنا و مستقبلنا الخاص، ما أدى إلى السلبية في التعامل مع الشباب و الرفض اللامقنع الاجتماعي المحايد لاتجاهاتهم الهجينة إلى كل ما هو قشوري تافه على أنه حضارة *نايض* و من السلبية إلى القبول الغير مباشر و الانخراط المجاني في استهلاك الفراغ و الإحساس المتنامي بالاستمتاع الهامشي اللامشروع...
مما سيؤدي أو قد يكون أدى فعلا إلى تشكيل الإنسان المغربي اللحظي، الذي يعيش اللحظة، و لم لا و قد أصبح جثة يتفشى فيها فيروس الاستهلاك السلبي و التنازل عن العزم الذي تتطلبه الحياة.
كل هذا نتيجة السماح الضمني بانخراط لا واع ضمن مسار لا يمكن مواكبته إلا ظاهريا، و بالعربية *تعرابت* ماذا ننتظر من شعب ساكن على الأمية الممحية على الورق و المتفشية واقعا، قلة النظر ، اندثار فرص استثمار الذكاء، عدمية الحوار، و *قلة الشي* إلا أن يذوب في لمعان تفاهات الغرب و التفنن في إبداعها تكريسا للجمود ليس على الموجود و لكن على رماد التحدي المفقود...
هذه الملاحظات و ما يستنتج منها هي من ضمن أسباب التفاهة المتفشية في هذا المجتمع الضائع، و التي يمكن أن نلخصها في ما يلي:
_ عدم مواكبة مكونات الهوية المغربية بما في ذلك المنظومتان الدينية و القيمية لمتطلبات العصر بشكل لا يؤثر على الثوابت الضامنة للخصوصية...
_ الاعتقاد في تغيير وهمي لم يتمكن من ملامسة العقليات و اكتفى بصناعة الصور...
_ الاستمتاع بمجموعة من المكاسب و من بينها مكسب الحرية بدون وجه حق مما أدى إلى عدم احترام حدود الالتزام الإنساني و إنتاج *السيبة الجديدة* خاصة ما يتجلى في ميدان  الثقافة و الفن باسم التجديد و الإبداع...
_ عدم تمكن مؤسسة المجتمع المدني من إرساء و تحقيق مكاسب جذرية بسبب الأولويات البدائية!
_ صعوبة إن لم نقل استحالة التفكير في مشروع مجتمعي شامل عن طريق الهندسة الجزئية من شأنه بناء الأمة المغربية و أجيالها بشكل تأسيسي و مواكب.
_ الاستهانة بالسلوك اليومي و الفعل البسيط (من قبيل الاحتفاظ بالقمامة في الجيب في غياب أماكن عمومية خاصة!) كإمكانات حقيقية لوقف اللامبالاة و المساهمة في تحضير المجتمع المدني و بناء الفكرة المؤسسة لكل تصرف و موقف لدى المواطن...
_ الاعتقاد الخاطئ في أن التحضر و مواكبة التطور بمعنى ما يمر بالضرورة من تمثل مجموعة من المبادئ و غير المبادئ المنحولة عن الآخر دونما نقد و لا تصفية  filtrage وفق مقتضيات الخصوصية، و الاكتفاء في أقصى الحالات بالتعديل المؤقت الغير التأصيلي.

الأمل الحماري

في عالم الناس لا تتيسر الحياة إلا بالنقائض، فبقدر اليأس من استفحال إمبراطورية التفاهة بقدر الأمل ليس في القضاء عليها بل في تقويضها لتؤول إلى الحالة الشاذة لا السوية السائدة، و في هذا الصدد يأتي الأمل الحماري، ليس لصناعة المدينة الفاضلة و لكن لإبداع الأمة المتوازنة، و هو أمل حماري لأنه من فرط الآمال الخائبة لابد له من  صبر الحمار و من ثبات الحمار و قوته... و من صمم الحمار عن المتملقين للحداثة الزجاجية، ليتمكن من مواصلة الإيمان بالفعل الكامل الذي لا يمكن أن يشرق إلا إذا فكرنا فيما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
_ المراجعة الفردية للقناعات الشخصية و محاولة التأصيل لبناء إنسان مواطن مغربي موجب غير سلبي متقبل فقط أو متخيل الفعالية فقط.
_ المطالبة بإنهاء حالة التجريب الغير منهجي في المنظومة التربوية التعليمية و تحري النوايا السياسية الصادقة في تهييئ أجيال قادرة على مواصلة الكفاح من أجل بقاء المملكة متميزة باستمرار.
_ محاربة الوعي السطحي و النقلي...فالإشكال ليس إشكال معلومات و معارف بقدر ما هو متعلق بالاستيعاب المشاركاتي الذي من شأنه دعم الانخراط في الفعل الحضاري البسيط و بالتالي الإيمان بالقول و ممارسته بتلقائية.(الطفل الذي لا يشارك في مشاكل الأسرة بشكل بنائي اختياري دافعي لايبالي بزيادتها تأزما بشتى الطرق).
_ الاهتمام بالثقافة المغربية عن وعي و إحساس حضاري بالقيمة الحقيقية لها و الكف عن استغلالها عند الحاجة و تحقيق الأغراض التافهة حتى لا ندمرها نهائيا و نحن نظن أننا نخدمها و ننقذها من التلاشي و الانقراض...
و أختم آمالي بأمنية: لنكن أحرارا منطلقين مبدعين بتحد و عزم و تضحية حتى لا نكون بهويتنا، إنسانيتنا و مغربيتنا عابثين مستهترين.

توفيق بوشري





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق