اللحظة 0 الثالثة:
من أمتع اللحظات تلك التي تعرج فيها على دكان البقالة فتشتري حاجياتك اللازمة وتغامر فتصل إلى حد شراء ياغورت من النوع الجيد بنكهة تعشقها. أنا أعشق نكهة الفراولة. إنها لحظة تاريخية. طبعا بالنسبة لمن يقضي الكثير من الوقت الفارغ يحلم بأن له ثلاجة ضخمة وفيها جناح مخصص للياغورت بجميع النكهات اللذيذة والمثيرة، وأجنحة أخرى لأصناف اللحوم وتفاصيلها الأسطورية.. الفواكه الاستوائية والمريخية والتي تأتي من كواكب في مجرات قاصية.. تمسك بالكيس البلاستيكي بقوة غير مسبوقة وتبتسم ابتسامة نصر ومتعة ولو أنك تكون قد أتيت على ما في جيبك من دراهم عن آخره. وتشرع طيلة الطريق تتخيل أنك تهرول صوب البيت. تلجه بسرعة كبيرة حتى أنك تنسى إحكام إقفاله فتعود لتغلقه بسرعة أقصى، ثم تضع الكيس في المطبخ، تخرج الياغورت بعناية فائقة وعيناك تتلألآن بشغف وجشع. تفتش عن ملعقة صغيرة بالتحديد. فأنت لا تريد ابتلاعه كدواء مقيت. بل تريد أن تعيش قصة لا تكون قصيرة جدا. تجلس أمام التلفاز لمزيد من التأثيث المناسب لشهوة لا تتكرر كثيرا. مع كل ملعقة تغلق عينيك وترحل بعيدا إلى المصنع تقبل العمال وهم يملؤون أكواب الياغورت وتتخيل أنهم يلقون بك في الحوض الكبير حيث يقبع الياغورت كبحر داخلي هادئ رائع.. تصل إلى البيت. تمسك الياغورت بقوة وتضع الملعقة كسيجارة في فمك ثم تقعد أمام التلفاز تماما كما تخيلت. تفتحه. تقطب. يحدث ما لم يكن في الحسبان. يبدو أن الياغورت غير صالح للأكل. بقع سوداء ورائحة غير طيبة. تقلب الغطاء، التاريخ المدون لم يمض بعد. لا تصدق الأمر. تقنع نفسك أنه كان مفتوحا من صوب ما. تفكر في إعادته. تتردد كثيرا خاصة وأنك لم تراقبه تو شرائه. تفكر في إزالة البقع ربما يكون ما أسفلها جيدا ولذيذا. بلا فائدة. تغتاض كنمر سرقت منه طريدة. ثم تستسلم ولكنك تقسم: عندما تجد عملا، بأنك ستقتني بأول أجرة ستقبضها شاحنة ياغورت أو نصف شاحنة على الأقل.