كذبة بيضاء (نص قصصي)
بقلم: زهيرة أرميل
كم كان الفراش دافئا ممتعا في صباح ذلك اليوم البارد، لم تستطع مغادرته وخاصة أن الصغير لم يستيقظ بعد، لاسيما أيضا عقب ليلة حافلة. قررت أن تغرق في بحرها القطني المخملي على أن تتعرض للذعة هذا الشتاء القارس، ولكن ما الحل؟ كيف ستعتذر عن العمل وهي الكثيرة الأعذار بسبب وبدون سبب، وفي كل مرة لابد أن يكون العذر مقنعا مفعما ببراءة صوتها وطيبة وجهها المعهودة والتي لا يتوقع أحد ما تخفي خلفهما. لقد نفدت صلاحية حيلة الوالدة المريضة والشقيق المسافر والعمة المتوفاة، فكيف التصرف إذن؟! إن حجة الطفل المريض لا بأس بها خاصة في ظل هذا الطقس المتقلب. تناولت هاتفها الجوال وهي مازالت متدثرة تحت الأغطية في الفراش وبصوت واهن تتقنه جيدا (لسكرتيرة المكتب):آسفة جدا.. طفلي مصاب بالحمى، لا أستطيع أن أحضر اليوم، ربما يحتاج لدخول المستشفى. (السكرتيرة) بقلق حقيقي: يا إلهي.. نتمنى له الشفاء العاجل، لا يهمك الأمر سنتدبر ذلك. سنتصل للاطمئنان على صحته. بصوت يكسوه الحزن: أشكرك كثيرا.. لن أنسى لك هذا المعروف. أغلقت الخط في لامبالاة وعلى وجهها ضحكة منتصرة تخبرك كم هي بارعة واستسلمت لنوم عميق لذيذ. إذا أردت أن تكذب ويصدقك الآخرون فلتكن الكذبة كبيرة، صادمة وغير متوقعة لا تترك وقتا للتفكير أو لمناقشة صحتها. كانت قد اعتادت ذلك بكل حرفية ولا مبالاة، فعلى كل حال هي لا تؤذي أحدا أو تفتري زورا على بريء، هذا هو مبدؤها. في الصباح التالي بعد يوم من الراحة والاستجمام عادت إلى العمل بوجه بشوش وكانت قد نسيت كل شيء تقريبا عن حجتها المزعومة. ما إن وصلت حتى استقبلتها الزميلات بوجوه حزينة مصحوبة بأحضان وقبلات حارة.. وقفت تتلقاها في حيرة. السكرتيرة: حزنت كثيرا لسماعي خبر مرض طفلك. كيف هو الآن. زميلة في المكتب: شدة وستمضي لا بأس كل الأطفال هكذا.. المدير خارجا من مكتبه: لم يكن عليك أن تأتي اليوم، كنت مكثت مع طفلك المريض. ارتسمت على وجهها أسمى آيات البلاهة ونظرت إليهم مستفسرة: عن ماذا تتحدثون؟! المدير: عن طفلك يا عزيزتي، كيف حاله الآن؟! هي في دهشة: بخير الحمد لله، ماذا يحدث؟! المدير في استنكار: ألم يدخل المستشفى بالأمس؟! هي وقد اتسعت عيناها في حيرة: ولماذا يدخلها؟ إنه كالقرد كما العادة..............أأ. فجأة فطنت لما حدث ولزلة لسانها فغطت فمها لتكتم شهقة وأطرقت برأسها في خجل وضيق من افتضاح الأمر، محاولة تدارك الأمر بحجة أخرى بين نظرات اكتشاف الأمر والاحتقار من بعض الزملاء والدهشة وعدم التصديق من آخرين.. وأجابت في حرج وتوتر بالغ: نعم.. نعم.. هو بخير الآن، فقط قليل من الحرارة والحمى ذهبت لحالها و عاد سريعا لشقاوته المعتادة.. شكرا لاهتمامكم. انطلقت مسرعة نحو مكتبها مخفية وجهها المحتقن خجلا وسط استغراب الواقفين، وهمست لنفسها وهي تضغط على أسنانها في غيظ.. يا............... لغبائي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق