فن المقامة في زمن القمامة...
نظام الإخضاع الجديد في البلد الفريد
حدثنا الفايق ونحن نيام في دار الأحلام قال:
لا يغرنكم البلد الجديد، لا من قريب ولا من بعيد، فما
تحت الحرية إلا العبيد، ما عدتم تقولون اليوم آمين قسرا، ولكنكم اشربتم في قلوبكم عجل الغشاوة العظمى جوا ،برا
ونهرا، ظهرا وعصرا، فآنستم
معجبين صويرات حياة ما يكون جوهرها إلا كنه ممات، وحتى إن فطن وعيكم الهجين بالمكر
اللعين، واللبس الخفي لظللتم في حيرة كبرى من الصبح إلى العشي، فبلادة العقود لا
تثمر في الغالب إلا عقلية وذكاء القرود... وما الحداثة إلا طفرة لا مستحقة لكم
استلابا أزلفت وباتت خير عون لتخديركم واستلهمت ثم استخدمت، عبرتم جسر الضباب
وانتهى عصر العقاب، نزلتم بدار الوهم وأنتم باسمون متفتحون كزهر الريح تخالون ما
بعد الحديد والنار إلا أمن مأمون، وما تدرون، إذ استنفذ الخبز العقول، والتسارع
العبثي أفكار الفحول، وأصاب القيمة الأفول...
امتد مد التبليد إلى المفاهيم والمؤسسات، فانتصر سوق
الكثرة الهلامية ومرايا التنوع الخادع وتفسخت الأمنيات، والمبدأ الزاهي حال
يوتوبيا العصر البالي وقُيد في سجل الوفيات، ويا ليت النوايا عقدت عزما على مرونة
الفكر لتحقيق البلد الحق، بل شوهت الدنيا والحياة وفق شيطنة ذات ثبات، واتخذت
مرونة الشتات فلم يبق لكم والله من تمحيص أو مقاومة إلا البق...
كانت في زمن
السجون والتعذيب، عصر القتل والترهيب، كانت البركة والمعنى في الحركة، وكان
الممنوع مرغوبا، إذ كان حقا صوابا، والتغيير مطلوبا، والشجاع محبوبا، فتقوى في
سلفكم الإيمان، من وضوح الرهان، واقترنت بهم شرفا تسمية الإنسان...
لما اجتث منطوق
الديمقراطية ماهية الثورة، خمدت الفورة، وامتدت الأيادي السوداء إلى التعليم، لتتعمد
التعتيم ،فرونقت الإصلاح ودثرت الجريمة بالسلاح المباح... شتتت الرافضين بين مسؤول
سام ومستلم شيك حام وعميد كلية آلت إلى زاوية أو مقام... وعامة لم يعودوا يفقهون
قولا من كلام...
ومع مرور الأيام،
استفحل الزكام، لم يعد فيكم من رجل حكيم يقدر كشف الأوهام، وفك لغز الركام...
وكلما هب منكم عالم خطير، فعزم التفسير المثير، غشاه شلل باسم العلي القدير...
وإذا تحدى الألم،
سرعان ما يكبحه الندم، من هول ما تصنع
الغنم... و لعمري سريعا يرهقه المسير، ففيروس
الدولة كالسيدا، كل يوم في حلة جديدة، فإن اشتد منك صياح، منطوق الحوار كفيل بأن
يوقف في حلقك النباح، وها أنت وقد مضى زمن السلاح، مسجون طليق السراح، أقصى قواك
النقد وثغرك المرتاب، الحوار أمامكم ومن خلفكم قانون الإرهاب...
... زغردوا يا
أحباب... فوالله ما لكم اليوم إلا الصبر الجميل... الرحيل أو التفكير المستحيل...
وخير بديل كي لا يتعب المخ المرهق المعلول الذليل ... التبلد على غرار سوادكم
الأعظم المغلول الجليل ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق