الهدوء الذي يسبق الاصطياف...
كل
شيء هادئ.. إلى درجة الملل.. الفصل فصل الصيف.. مع أن الجو لم يكن بالحار كثيرا..
بعد العصر، لازال الغروب بعيدا، فالنهار طويل طول هذه الهدأة المقرفة.. صمت كالموت
وحالة كالحمى الباردة.. اتكأ وسط البيت بقميص خفيف أبيض، سمع أن اللون الأبيض
يقاوم أشعة الشمس والحرارة.. وسروال قصير بدون سحّاب، مكانه وضع سلكا لينا، يفتحه
عند الحاجة ويلويه لويتين بعدها!
زوجته
العاقة لم تقم باللازم.. مرارا وتكرارا أعلمها أن الصيف اقترب! والسروال المفضل
بدون سحّاب! منذ زمن لم تذق طعم راحة يده الضخمة أو حزامه الأسود.. والأجدر أن يلعن
الشيطان.. فما أخبروه من حكايات مدونة الأسرة الجديدة يجعل الرجل يفكر أربعة آلاف
مرة وأكثر قبل الإقدام على ضرب سيدات حديث الساعة: صاحبات الحقوق المظلومات..
وكيدهن أعظم من ضربات السكين وهم يتجاهلون وكأنهم لا يعلمون أو أنهم يفعلون ذلك
لغرض.. وربما لعدم توفر أدلة مادية ضد الكيد!
شغل
التلفاز.. شرع يتنقل بين القنوات بلا فائدة! برامج مبتذلة.. أفلام قديمة متكررة
بلا طعم.. لاشيء.. هذه الهدأة المميتة أفضل! أجهز عليه أطفأه.. أخذ يمرر أصابعه
بين شعر رأسه تارة يحك وأخرى يشده وكأنه يبحث عن فكرة للقضاء على روتين العطلة
والصيف..
حبيبتي..
شربة ماء باردة من فضلك.. ها؟ ماذا قلت؟ .. شربة ماء يا مصيبة؟ أية مصيبة؟ هذه
سمعتها يا ملعونة! قال في نفسه هذه المرة وأعاد الطلب بصوت عال.. أحضرت له الماء
بعد هنيهة.. حبيبي لم لا نسافر؟ الكل يسافرون في الصيف للراحة والاستجمام؟ بعد عام
مضن وبارد.. وكأنها هي من كانت تخرج باكرا وتروح مساء في سبيل آخر الشهر
المفصلي!.. أحضري الحاسبة وتعالي..
ــ
ألف درهم لقرض هذه الجدران الضيقة.. وخمسمائة بين الماء والكهرباء.. وخمسمائة أخرى
للمعيشة.. ننقصها من الأجرة الكبيرة التي يتصدقون بها علي! انظري.. الباقي لا يكفي
حتى لزيارة أمك المجنونة!
تركته
يحملق في الحاسبة وذهبت إلى مطبخها متذمرة، تتمتم: متى نصبح كالناس! نسافر ونستمتع
بأيامنا قبل أن يذهب العمر ويشغلنا الأولاد -الذين ينتظرانهم منذ عشر سنوات- عن
أنفسنا.. لا الذنب ذنبه ولا ذنب الحاسبة! ولكن الوضع أصبح جهنميا! كل سنة يقضيان
الوقت كالمسجونين بين الحيطان إلى أن يبدأ العمل ويسقط المطر! هو يعود إلى روتين
آخر وهي ترجع إلى مسلسلاتها وأشغالها وانتظاره!..
نهض
من مكانه، تاركا هوة كبيرة وسط اللحاف من كثرة استلقائه عليه.. يقصد غرفة النوم
حيث ترك جريدة لا يذكر متى أحضرها كما لا يذكر في أي يوم هما من فرط ملازمة البيت
والنوم وما تيسر من الأكل حتى أصبح بطنه كالبثرة الكبيرة وسط جسده النحيف! ليرى
إذا ما كانت شبكة الكلمات الموجهة ماتزال عذراء ليفض بكارتها! أدخل رجليه في الخف وعند
أول خطوة خطاها، انزلقت به فأفقدته توازنه، ليسقط بقوة على الأرض سمع لها صوت مدو!
هرعت زوجته إليه.. نسيت أن أخبرك أني للتو نظفت أرضية البيت وأنها مازالت مبتلة
زلقة..
ــ
... آي.. آي كتفي.. نسيتِ! أخذك الله يا بنت الحرام! نسيتِ.. آي.. ظهري.. الألم
شديد، إنه كسر لا محالة، يا وجه النحس.. سأذهب بك لتصيفي في جهنم إن شاء الله!!
وأخيرا..
تخلصا من الهدوء الصيفي القاتل والروتيني.. سيمضيان بعض أيام العطلة في المستشفى..
أصيب بكسر مزدوج في الكتف.. وكسر آخر على مستوى الحوض!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق