الأحد، 24 أغسطس 2014

غواية سريعة في استجلاء انعكاسات: ظلال ذابلة

غواية سريعة في استجلاء انعكاسات: ظلال ذابلة
لعلي بنساعود.
لحظة قراءة أو قراءة شخصية.












إن الحديث عن الأثر الذي يحدثه النص، هو حديث مركزي يكاد يجمل أهداف الدراسات النقدية الأدبية ويشكل ملتقاها الجوهري ونقطة تقاطعاتها المختلفة والمتنوعة، هكذا يمكنني الاعتراف بأنني هنا سأتحاشى أي خوض فيه وكل ما أروم فعله هو وصف تجربة شخصية بما أتيح لها من وسائل تلق معينة وغير محددة. مفاتيحي لهذا الفهم أو الوصف ليست نقدية مبدئيا بالمعنى الأكاديمي للمصطلح ولكنها تجليات لحظية خاصة قد تكون مماثلة بشكل غير مباشر ولحظة الكتابة الأصلية أو ما بعدها وغيرها.. وهي لا زمنية أسميها، تعمل على خلق توقفات داخلية للتمعن والتأمل والتأويل نتيجة انطباع منتج إيجابا وأثر فاعل في القارئ المتصف بأقصى درجات التأقلم الصارخ واستفزازات النص. هل يجدر بي تفسير ما قلته هنا؟

محاولة أولى:

ظلال ذابلة: هل من المفروض أن أتجاوز دهشتي الفطرية لكي أقوم بعمليات أكثر تعقيدا ووعيا مؤسسا حتى أمسك بتلابيب العتبة؟ أليس هذا إعداما بشكل ما؟ هل أريد الحصول على حد نهائي وتعريف شاف؟ هل أسعى إلى ربط مبرر ومحتوى الكتاب؟ أليست دهشتي الفطرية واعية بشكل تلقائي لتنتج بشكل مفتوح عوض خلق إطار؟

ظلال ذابلة: أراني في مكان بعيد قد يكون من حولي ولست أراه لأنني لم أكن قد تعرفت على لحظة الكتاب بعد. أراني ظلا أو ظلالا ذابلة، بئيسة أو حزينة، تريد أن تعبر عن جرحها. تبحث عن مخرج من الحالة المزرية. الغلاف يحملني على تأثيث هذا المكان حتى أرى بوضوح انتكاستي وانكساري. هل هذا النور في وسط اللوحة المحدودة المغلقة بأطر تزاوج بين البياض والسواد نقطة انفراج؟ كيف؟ هل أريد أن أجد نورا لأتخلص من قهر الانعكاس الأول القاتم، ألا يجدر أن يكون سوى بوابة لاكتشاف هموم الظلال وتنويعاتها؟ أنوارا تبيح لي تعرف ظلمة كل ظل على حدة وجرحه الخاص؟ هل نجحت اللحظة؟ ذلك يتحدد من خلال الانتاج الذي قد يتأخر. القارئ ليس آلة للقهوة السريعة!

محاولة ثانية: مرتبطة بلحظات تالية غير منظمة!

مناداة عشوائية: شخصية في فيلم أجنبي تستغرب من كون شخصية أخرى جعلت من بيتها فضاء لمساعدة الآباء على إيجاد أبنائهم الضائعين دون حضور مبررات كافية. تتساءل: هل هي مناداة خفية؟ is it a calling ? ، مثل ما حدث مع بطل فيلم: ماتريكس. المختار. هل أنا ملزم بخارطة قراءة؟ ولماذا؟ هل يشكل الاختيار العشوائي عبثا. ألا يمكن أن يتحول التصفح العشوائي إلى تماس خفي قبلي يحمل القارئ على التوجه إلى وجهة دون إرادة، لتتحول إلى إضافة لا متوقعة وتخلق أثرا جديدا وغريبا.. ألسنا نحن من نخلق المصادفة في الأفلام لنصنع أحداثا مشوقة. هذا ليس مبررا لنقد العشوائية الخلاقة. لأننا حين نصنع الحدث فإننا نعبر عما نحلم به ونشتهيه. وإذن نريد أن تبرق المنعطفات الخارقة في حياتنا باستمرار لتعتق آفاقنا من الانحسار. كل هذا لأبرر اختياراتي التي ليست تعسفية بالمرة! هل هو تعسف خارجي؟

نص: قطار
داهمها القطار فجرا.
نسيت حقيبة أنوثتها.
مساء،
اكتشفت انتهاء مدة صلاحيتها.

دهشة أولى: كيف أتفادى تسرعي. ربما. كيف أفعل إذا كنت في صلب الفجر داخل مقطورة اخترتها قسرا أو اختيارا قضت به ثقافتي أو مجتمعي أو أي شيء آخر متراكم.. هل أترك الأمر يسير كما يريد! هل أملك أن أغير شيئا؟ أليس ذلك تحديا لقدر ما؟ أم أني مسؤول عما يحدث لي بشكل ما؟ ماذا نسيت بالضبط؟ هل يمكن أن أصنع حدثا مغايرا أنقذ به نفسي؟ هل أعدم المساء؟ ماذا لو سارت الأمور كما أشتهي وسقطت في فخ الملل؟ هل من المفروض أن أتخلص من ظلال المعتقدات؟ الأجوبة ليست هنا.

دهشة ثانية: هنا أجوبة لا تليق بلحظة الدهشة الأولى، لأنها عبارة عن منتجات لشخصية خرجت من جلباب النص.

نص: رثاء
نظرت إلى الوجه المنعكس أمامها.
راقها: ابتسمت.
سألته: من سمل عيون بلادي؟
تنهدت و...

ولوج أول: هل أنا هذا الوجه الماثل أمامي؟ هل أستطيع أن أكونه؟ كيف لم أنتبه إلى المؤنث؟ لا أريد أن أفعل! حتى لا أخوض في قراءة تبحث عن وجهة نهائية. بعد الابتسامة أراني أنظر إليّ تارة وأخرى إلى ابتسامتي! السؤال يثير تلك الابتسامة ويزيد من حدتها وامتدادها على امتداد الثغر الوهن البئيس كظل باهت بل ذابل! أتنهد و... أفعل أشياء كثيرة شقية قد لا تعيد إليّ ولا الذكرى كما أشتهيها قوية.. أو حلما كما أرسمه فريدا بل حتى بسيطا.. المهم لا أترك السكون يقتلني أو يعيق انفلاتي..

ولوج ثان: محطة تحتاج إلى نسيان متعمد أو تلقائي! ومن الأفضل أن يكون على الوضع الثاني.

نص: محطة
غبشا استقبلته في المحطة.
في بيتها، استحم. نام.
زوالا، تغذيا وتدحرجا تعرفه دروب المدينة العتيقة.
غسقا، عرجا على مطعم فخم...
في البيت،
أوقدت شموعا.
أطلقت بخورا.
شغلت جهاز الموسيقى.
منتشيا على الأريكة ينتظر،
قالت: تعبت، سأنام.
نم أنى شئت...
أدارت المفتاح في قفل غرفتها...

تقمص أول: رحلة في رحلة داخل محطة ما، لا أريدها محطة إلى حدود اللحظة المتوقفة بداخلي.. طقوس خارج يومي العادي. الأمكنة أتخيلها كما شبقي المقيد. هل أنا مكبوت؟ فقط إذا تركت سبيلي وخرجت من لحظتي إلى قارعة الزمن الحقيقي لأجد نفسي سكيرا يراهن على خيول لم تولد بعد. أليس المنعرج بدوره طقسا؟ تدريبا على طقس؟ بحثت عن انتظارات أخرى لأوجد خارج ظل ناقص الذبول. لأستحق أمنيات مفارقة.

تقمص ثان: ربما لم أخرج من لحظتي أو لا أريد الخروج. حتى أنقذ يومي بأكمله.

عود على محاولة: الكتابة ليست نهائية، واللحظة ليست فضاء مسيجا مادامت حرة داخل الذات متوقفة في فراغ مملوء بانتظارات مهولة وكونية.. نصوص المبدع علي بنساعود باختصار مجنحة وتسمح بالتماهي معها بالشكل الذي يريد القارئ أن يعيش من خلاله لحظته المنفلتة ليستمتع ويحلق ثم ينتج عبر مراحل عشوائية مخلوقات غير محددة قد تكون أي شيء مما يتوقع من أثر النص خارج الرسائل والرهانات بنظرة أكاديمية.






توفيق بوشري
المغرب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق